بحث حول الدِين والدّيان ـ الجزء الأول: معرفة الإنسان 1/5

بحث حول الدِين والدّيان

الجزء الأول: معرفة الإنسان ـ لماذا نعيش

مايكل أنجلو Vs داروين: الخلق مقابل التطّور؛ الروح مقابل المادة

مدخل
بداية أحب أن أوضّح بعض النقاط مهما كلّف الأمر من عدد إضافي الكلمات، وما أريد الإشارة إليه يتعلّق بالسؤال عن: لمن ولماذا هذا الموضوع. في الحقيقة على هذه الورقة أتناول حالتي الشخصية، ككائن بشري، حدثت في حياته بعض التغييرات، فكما بات يعلم قرّائي الأعزاء، وصلت مؤخراً إلى حالة من التناقض القصوى على الصعيد الشخصي. ويتجلّى هذا التناقض في تعلّقي الشديد بالفنون وهذا يعني محبتي للغموض (موسيقى، رسم… وأشعار) من جهة، ومتابعتي لاكتشافات العلوم من جهة أخرى وبالتالي هذا يدل على بحثي عن مزيد من الوضوح وفي هذا تعارض واضح سوف أتحدّث عنه بالتفصيل. كنت متفائلاً جداً في الماضي (أني كنت مغرماً بالعلوم وبأن وحدها يمكن أن تُفسّر الحياة، بتفكير مادي وعقلاني بحت) أما مؤخراً ظهر التشاؤم بشكل كئيب على مشاعري والتطلعات صوب هذا العالم الذي نعيش فيه أجمعين (وبالأخص بعد قراءة العالم ستفين هوكينغ في كتاب “التصميم العظيم” وبأن يمكن تفسير العالم مادياً، بأن يجرّدنا التصميم العظيم من أهم ما نملك: الإرادة). رحت أبحث عن سبب هذا التشاؤم فوجدته في المادية التي أصبحتُ وأصبحتْ عليها الأشياء والأفكار أغلبها في هذا العالم الذي اعتقدت أنه من الممكن تفسيره مادياً، هكذا…

عادة كنت أرتاح وأشعر بالسعادة عندما يسألني أحد عن شيء ما وأجيبه بثقة وتأكيد، أذكر حادثة حصلت معي مؤخراً حين سألني أحد الأشخاص عن رأيي في الزواج ورحت بكل ثقة أتلو عليه عدم إيماني بالزواج لا بل قلت له أنني أفضّل أن تكون العلاقة بين الشاب والفتاة خارج نطاق الزواج؛ وأكثر وجدتني أُسوّق للعِلم وبأن البشر باتوا على مقربة من إنجاز علمي عظيم يتمثل في إنتاج حواسيب وآلات قادرة على مجاراة قدرتنا العقلية وخاصة فيما يتعلّق بقدرتنا على التعلّم والتفكير والتعبير. واليوم, أشعر بالندم والضيق حين تذكر مجريات ذلك الحديث عن الزواج وأتمنى لو أستطيع إعادة الحوار لأعدل رأيي طبقا لما تكوّن لدي من معطيات وقناعات, أما عن العلم وتقدمه فسأكتفي بالقول: يالهذا الإنجاز! وللتوضيح نظرتي الى العلوم أشير الى تدوينة المعرفة البشرية هنا.

بكل الأحوال هذا ليس موضوعنا ولكنني أحاول أن أشرح الأسباب التي دفعتني للتفكير أكثر وكتابة هذا الموضوع. وفي ذات السياق أريد أن أشكر صديقي العزيز أبو زياد لأنه ساعدني كثيراً في هذا الموضوع وأشار عليّ بقراءة بعض الكتب عندما كنا نتبادل النقاش حول هذا الموضوع، وهنا أنصح ـ كل مَن يريد مزيداً من المعلومات عن موضوعنا هذا ـ بقراءة علي عزت بيجوفيتش في “الإسلام بين الشرق والغرب” (تجدون الكتاب عبر هذا الرابط بصيغة pdf تقريباً 7 ميغابايت). قد يقول البعض لماذا إذن هذا الموضوع طالما سنجد الأجوبة في الكتاب، أقول وبكل بساطة أنني هنا أريد الذهاب مباشرة إلى قلب الموضوع (معرفة الإنسان وثنائية الله والإلحاد بالسؤال: لماذا نعيش؟) ، ولكنني أيضا في ذات الوقت أتعرّض للإشكالية من جهات متعددة ومن مصادر اضافية أيضاً (ككتاب “اللغة والمجاز بين التوحيد ووحدة الوجود” للدكتور عبد الوهاب المسيري، انقر(ي) على اسم الكتاب لتحميله (4shared.com) وأعمال فراس السواح سيّما في “مغامرة العقل الأولى” و”دين الإنسان” (4shared.com) وبالإستعانة بأعمال أخرى سوف أذكرها في سياق الحديث بالإضافة طبعاً الى نظرتي الخالصة ورأيي في كل هذا, وهو ما سيضيف طابعا شخصيا يسمح لي بالتعبير والتعليق والنقاش انطلاقا من تلك التجربة الفردية الخاصة بي أساسا.

هذا كان فيما يخص كيفية وسبب التعرض للموضوع، أما فيما يتعلّق بالسؤال عن سبب نشره (لمن؟) طالما أنه يخصني شخصياً، فأستطيع أن أقول أنني لطالما اعتمدت هذه الطريقة، أن أشارك الأفكار، والهدف دائماً البحث عن مزيد من التأكّد (وهو ما يعني تلقائيا مزيدا من إخضاع النتائج للنقد والتشكيك)، وهذا ما أجنيه في الحقيقة دوماً من فعل الكتابة بشكل خاص وشتى وسائل التعبير بشكل عام. ويمكنني أن أضيف أنني أوجّه أسئلة لكل من لديه وجهة نظر مغايرة، وأحاول بطبيعة الحال الإجابة عن أسئلة ما زالت عالقة في أذهان البعض كما كانت معي. ولأنني في الحقيقة أشعر بمزيد من الراحة النفسية الآن مقارنة بما مضى مع هذه الأجوبة، أشاركها هاهنا بهدف المبادلة وسعياً لنشر الفائدة عبر طرح ومناقشة خيارات وإجابات قد نكون أغفلناها في خضم بحثنا في هذه الحياة, و الفائدة متحققة سواء اقتنع القارئ بصحة ما سأقول أو بعدم صحّته. فهو في كلا الحاليتن وبعد اتخاذ موقفه النهائي مما سأطرحه عليه أن يكون قادرا على تبرير ذلك الموقف لنفسه وأمامها هي فقط, وامتلاك تلك القدرة هو ما سيحقق له الفائدة بغض النظر عن طبيعة الرأي الذي سيصل إليه ويقتنع به.

أستطيع أن أقول في ختام هذه التوطئة، أني بالرغم من الثبات الذي أبحث عنه سأعرّض الأفكار كلها ودوماً لمزيد من الحركة والفكر، و رغم ذلك لا تعني مشاركتي إيّاكم هذه الأفكار حيرتي بقدر ما تعني اتباع منهجية علمية (قدر الإمكان, فهي إنسانية أولا وآخرا) لمحاججة أي نظرية أخرى, ذلك أنه لم يسبق لي أن وصلت إلى هذا اليقين من قبل، ولا لهذا الشعور الذي لا يسعني وصفه, طبعا قد يعترض البعض منكم على تعابير – يقين وشعور – وغموض علاقتها بالعلم, وهنا لن تتضح الصورة والقصد إلا مع القراءة والاطلاع على ما سأورده لاحقا من أفكار.

بعد تلك التوطئة (المدخل) التي كان لا بد منها, اذكر لكم سريعا طريقة تقسيم البحث ومنهجيته. التقسيم سيكون على مرحلتين: الأولى (معرفة الإنسان) وسنبدأ بها بعد قليل والثانية (معرفة الخالق), كما قد يمتد البحث ليشمل فيما بعد مراحل أخرى (حلول وعينات) ستتبع بحسب ما سأجده الشكل الأنسب لإخراج البحث ووضعه بين أيديكم.

أما فيما يخص المنهجية التي سأتبعها في هذا البحث، سأحاول عدم الغوص مطوّلاً في تفاصيل كل النقاط وسأعطيها طابعاً ملخصاً؛ لن أعود كثيراً على ذكر التيارات الفلسفية المختلفة ولا أسماء من تناولوا الموضوع على مر العصور، بل سأستدل بشهود عيان من الأجيال الحاضرة اليوم بأفكارها ومعتقداتها لتكون هذه الورقة إذن للنقاش الحيّ والمستمر، لأنني أعتقد أن المشكلة ليست في انعدام المعرفة فنحن لدينا معارف ولكنها تأتي ضمن الأفكار المعلّبة (المستوردة والمصدّرة) حيث نصل بالنهاية إلى بُنى مشوهة المصير.

ليست هذه الورقة محاولة لإقناع البعض هكذا، بالتلقين والسرد الطويل، ولا بتلاوة الوصايا والنصائح، ومهما كانت كثيرة هنا الكلمات لن تكفي، لأنه يبقى دائماً ما يمكن قوله وإضافته وفي التفاصيل تكمن الحقائق وإليها تعود الأسباب. هي دعوة فقط لمعرفة الذات، لكي يعرف كل واحد منا ذاته أكثر، ونعم أدعو للتركيز على الأنا ولهذا ستجدوني أتكّلم كثيراً عنها وأنطلق دائماً منها، ومن بعدها ننتقل الى “نحن”. فأنا لم أعد أستوعب هذا الخوف الذي كان ينتابني كلما ذكرت الأنا، والصدق كلّه فيها، منبعه والمنشأ. ولهذا في الحقيقة ترانا نذهب لنتحدّث كثيراً عن “نحن” لنختبئ هناك، ونضع الحقوق والواجبات هناك. وأختم هنا لأقول بأنها رسالة للعقل والقلب، للمواد والروح معاّ… للإنسان.

مفاتيح الموضوع:
ثنائية الله ـ الإلحاد : إنسان ـ حيوان؛ روح ـ مادة؛  علم ـ فن؛  ثقافة ـ حضارة؛  تدريب ـ تنشئة؛ مدينة ـ ريف؛

مقدّمة
إذن هو بحث عن الدِين والدّيان يقوم به إنسان، وحينما تفكّر أن تتناول بشخصك أيّ إشكالية، ينبغي أن تعرف جيداً من تكون، من أنت، لتنطلق على الأقل من على أرضٍ ثابتة، يكون فيها “الإنسان” الثابت الوحيد. إذن ما هو الإنسان؟ هل هو حيوان أم يختلف عنه؟ بماذا يختلف عن الحيوانات؟ هل لديه حدود؟ هل يتوجب ردعه؟ وما هي الطرق الأسلم للقيام بهذا. لكي تعرف كيف تعيش من المنطقي جداً أن تعرف مسبقاً لماذا تعيش؟ هذا إذن ما سنحاول الإجابة عنه من خلال هذا البحث الذي كما ذكرنا سينقسم الى جزأين: أما الجزء الأول (هذا) فيُعنى بالبحث عن معرفة الإنسان حق معرفة وبالتالي محاولة الإجابة عن لماذا نعيش؟ وفي الجزء الثاني سنتعرّض بشكل مفصّل للأديان في طريقنا نحو معرفة الخالق ومنها الى الإجابة عن كيف نعيش؟

إنسان أم حيوان؟
كما ذكرت آنفاً، هذا السؤال الذي ما زال يُحيّر الكثير من الأشخاص، ما هو الفرق بين الإنسان والحيوان، أستطيع أن أشير هنا إلى موضوع طُرح منذ فترة في منتدى صوتك (الزمان والمكان… بين الإنسان والحيوان) وقتها لم أكن قادراً على الإجابة وكنت قد ظننت أن لا فرق بيننا والحيوان. أما الآن، فأستطيع أن أقول بكل بساطة أنّ نتاجات الكائن الفنيّة والدينية والثقافية هي التي تشير إلى الفرق بين الإنسان والحيوان، صحيح بأننا نشترك مع الحيوانات في كثير من الأشياء، ولكن معنى حياتنا لن يتحقق إلا بإنكار الحيوان الذي بداخلنا. وتبعاً لنظرية التطوّر الداروينية نستطيع “أن نأخذ من جهة أكثر الحيوانات تقدّماً لنقارنه مع الإنسان البدائي سنجد فرقاً جوهرياً يتمثّل بالمحرمات والرموز والأسرار التي رافقت الكائن البشري دون سواه”1:

من اليسير أن تفهم منطق الحيوان يقاتل من أجل البقاء، فماذا عن الإنسان البدائي؟ قبل الذهاب للصيد، كان على الصيادين البدائيين وعائلاتهم أحياناً أن يُخضعوا أنفسهم لأنواع مختلفة من المحرّمات كالصيام والصلوات، وأن يمارسوا رقصات خاصة، وأن تحدث أحلام معينة، وأن تُراعى علامات خاصة2

ومن هنا أريد فقط أن أشير إلى أن أي محاولة لعدم التفرقة بين الإنسان والحيوان تعني تجريد هذا الكائن من أهم ما يملك، لا بل طالما أنه لا فرق بيننا والحيوان فلماذا إذن كل هذه الدهشة والعجب وهذا الإستغراب مما نعيشه اليوم؟. أما أسوء ما في الأمر هو التباهي الذي نصل إليه أحياناً بأننا حيوانات وبأننا لا نختلف عنهم، حيث رحنا وأنتجنا الأفلام برسوم متحركة يتصرّف الحيوان فيها كما الإنسان، لتُزرع هذه الفكرة (عن قصد أو ربما عن غباء) أكثر في أذهنتنا. وأستطيع أن أضيف الكثير من الحقائق التي تُظهر مدى اختلافنا عن الحيوانات، على سبيل المثال، نحن كبشر نملك الإختيارية بين العمل بفردية أو للمجتمع، نستطيع أن نتمّرد لانتهاك القوانين والمعايير الأخلاقية بعكس عالم الحيوان (الذي لن نجد فيه أصلا أي معنى للأخلاق)، “ولذا أي نظام لا يأخذ بعين الإعتبار هذه الحقيقة ويريد أن يراه فقط عضواً في مجتمع يعني أنه يبني نظامه على فرضية تتعارض وحقيقة الإنسان الدائم الشوق لأن يحيا ويتصرّف ويفكّر كفرد”3. من هنا تظهر إذن أهمية القوانين والأخلاقيات (سنعود إليهما خلال هذا الموضوع) لتبعد الكائن عن حيوانه وتقرّبه من الإنسان. كختام لهذه الفقرة، ينبغي إذا ما سؤلنا بعد اليوم عن الفرق بين الإنسان والحيوان أن نقول بكل ثقة ووضوح بأن الإنسان كذا وكذا…

مادة أو روح / تطّور أم خلق؟
هنا لا داعي للشرح مطولاً، يعلم الجميع بأننا، بأن كياننا البشري، عبارة عن مزيج من روح ومادة، أي محاولة لتناول جزء دون آخر تعني بالتالي الإبتعاد عن ماهية الإنسان الحقيقية، فإذا أردنا على سبيل المثال أن ننظر الى الأشخاص بعين الروح فقط، فنستطيع أن نقول عنهم بأنهم ملائكة أو شياطين يعني أنهم ليسوا من البشر، وبالعكس عندما نتناول أعضاء الكائن البشري وبنيته الكيمائية ـ البيولوجية فقط بالتالي سيصبح مباشرة في خانة الحيوانات وأكثر في عداد المواد. ومن هنا لفهم طبيعة البشري لا يجوز الفصل بين الأجزاء مهما توصلنا الى فهمها على حدة، لأننا لسنا في عالم رياضي هنا ولا تنطبق القوانين الطبيعة في عالم الروح، بأن معرفة الأجزاء على حدة لا يعني بالتالي معرفة الكيان المكّون منها. نستطيع أن نقول فقط بأن الإنسان يساوي مادة نُفخت فيها الروح. وأذّكر هنا بالفرق بين النفس والروح، حيث النفس “البشرية” تعني الكائن بحركته وسلوكياته ككل.

والجوهر المادي الذي نتكون منه لم يكن له أن ينتج (يطوّر) إلا حيوانا (إنسان داروين) أي إنسانا طبيعيا ماديا، كائنا يحيا من الخارج و في الخارج، لكننا نجزم بوجود حياة داخلية أشرنا إليها أعلاه بكونها هي التي تميزنا عن الحيوان، ومرد هذه الحياة الداخلية هو الجوهر الآخر الذي يدخل في تركيبنا وهو جوهر لا علاقة له بالمادة و هو ما نسميه أو ندركه بمسمى الروح.

وهنا أريد أن أشير إلى كيفية تعرّض العلوم التجريبية لموضوع الكائن، حيث لا يسعها إلاّ شرح التفاعلات التي تحدث على صعيد الأعضاء أو حتى الخلايا والبروتينات، يعني فقط المواد، وهكذا تظهر حدود العلوم في محاولتها فهم الإنسان ككيان قائم بحد ذاته. أما الروح, فتلك كما أشرنا لا تنتمي لعالم المادة (الطبيعة) و بذلك تجدها العلوم عدوا لها أو خارجة عن نطاق سيطرتها, فالعلوم الطبيعية لا تملك ذلك الأصل الثنائي الذي يتميز به الإنسان و من هنا كان استعمالها -كما ذكرنا- مقتصرا على فهم و تفسير الأمور الطبيعية و المادية فقط.

العلوم مقابل الفنون
بما أننا وصلنا بالحديث عن العلوم، سنسأل عن مصدر الفنون وما تعنيه؛ أو بشكل أكثر وضوحاً لماذا الفنون إذن طالما أن العلوم تستطيع أن تشرح كل شيء؟ في النظر إلى تاريخ الإنسان العاقل نجد أن الفنون هي التي تميّزه عن باقي الكائنات، بالنقش والرسم على الحجارة وبالرقص والموسيقى… وظاهرة الفن تعني التعبير عن أشياء غامضة لا يمكن فهمها ولكنها تحدث في باطن النفس البشرية، فمن أين يأتي هذا الإلهام؟ أوليس بإدراك حقائق لا يمكن ترجمتها مادياً، لماذا نضحك عندما نشاهد عملاً كوميدياً أو نبكي عند الإستماع إلى بعض الموسيقى أو حتى بمجرّد النظر إلى لوحة فنية؟ لماذا الفن؟ وما هو مصدره؟

أليست ظاهرة الفن تعني وجود عالم آخر إلى جانب الطبيعة التي تسعى العلوم لتفسيرها؟ أكتفي هنا بالإشارة إلى أن الفن والعلم لا يمكن إرجاعهما إلى عالم مشترك، مهما ظهر التطوّر الطبيعي تجد أن الأعمال الفنية التي عبّر عنها الإنسان البدائي منذ القدم تضاهي بمعانيها وجماليتها أي عمل فني ينتج في أيامنا هذه. “إن وجود عالم آخر هو مصدر لكل فن ودين، فإذا لم يكن هناك سوى عالم واحد لكان الفن مستحيلاً (أو على الأقل من دون معنى) لأنه إيحاء ما إلى عالم لا ننتمي إليه ولم نخرج منه وإنما طرحنا فيه طرحاً. والفن ذكريات أو توق الى الماضي، إلى ذلك العالم الآخر”4. إنه تمرّد على الواقع، على الطبيعة. ومن هنا أشير الى العلوم مجدداً لأنها هي الاخرى تبحث عن هذا العالم الآخر، نبحث بواسطة العلوم عن كواكب ومجرات وأكوان لأننا نرفض أن يكون كل هذا قدّ سُخِّر لنا وحدنا. وهنا أسأل لماذا نرفض فكرة العالم الآخر البعيد كل البعد عن قوانين طبيعتنا، عالم تسيطر فيه الروح على المادة، ولا سيما مع كل تعقيدات نظريات الفيزياء التي تفترض أبعاداً لا يمكن إدراكها بإمكانياتنا الحالية المادية، لماذا لا يكون العالم الآخر هو العالم الروحي، الفنّي، الديني؟

فاصل مع صباح فخري:

خمرة الحب اسقنيها، همّ قلبي تنسيني،
عيشة لا حبّ فيها، جدول لا ماء فيه،
يا ربّة الوجه الصبوح: أنت عنوان الأمل،
أسكريني بلثم روحي… خمرة الروح القبل!.

الثقافة روح والحضارة مادة
لفتني في كتاب بيجوفيتش أيضاً توضيحه للفرق بين الثقافة والحضارة، وهناك كما يقول الكاتب خلط غريب بين الثقافة والحضارة وكنت أخلط شخصياً بين الفكرتين، قبل توضيح الفرق أذكّر بعمل قمت به (تجدونه ضمن هذه المدونة – هنا) وهو رحلة عبر الزمن تحاكي تطّور الفكر البشري، في ذلك الموضوع أشرت إلى أبرز التطورات (النتاجات) التي جاء بها البشري على مر العصور، وذلك كله يتعلّق بالحضارة أي التبادل المادي بين الإنسان والطبيعة وليس أبداً بالثقافة “حيث تعني بعلاقة الإنسان بذاته والعالم الآخر، بالسماء، وتترجم هذه الثقافة بالفنون والأديان والخلق المستمر للذات، أما الحضارة مجدداً فتعني التغيير المستمر للعالم”5. ومن هنا أسأل، ها هي الحضارة البشرية قد تطّورت -وما زالت- بشكل هائل خاصة في عالمنا الحاضر، إلى أين وصلنا؟ وهل خفّت المعاناة البشرية؟ هل بتنا نعرف أكثر كيف نعيش؟ هل عرفنا لماذا نعيش؟ أم أننا فقط نعيش هكذا لأننا وُجدنا هكذا؟ أما أصبحنا أكثر من أي وقت مضى في عالم تغلب فيه المادية، حيث أحاطت بنا جدران الأسمنت والآلات في نظام فوضوي ولا أحد يعلم أين نذهب ولا حتى أضخم الحواسيب، فنحن في ظل الحضارة نعيش اليوم في تقدم مستمر, لكنه تقدم لا يضيف لنا غاية و لا هدف و في أفضل الأحوال يبشرنا بحتميات لا يسعنا إلا الوصول إليها في نهاية هذا التقدم و دون أن نملك من الأمر شيئا و دون أن تضيف تلك الحتمية أي معنى أو مغزى له. ألا يتوجب علينا النظر مجدداً إلى حالنا بكل تجّرد؟ لنجد بأننا أصبحنا جزءاً من هذا النظام المادي والآلي، ونجد أننا ارتبطنا بالمادة بشكل وثيق حيث لم يعد بوسعنا اليوم الخروج من هذه الحلقة المفرغة التي أغرتنا بدورانها ودّقتها لنكتشف أنها سجن فانٍ وفارغ، وقد نسأل لماذا انقرضت الثورات اليوم، لماذا أصبح التمّرد على النظام شيئاً من الخيال، هل بات من السهل علينا اليوم أن نعيش دون المصارف وأوراقها الزائفة والوهمية؟ من دون هذا الإرتباط مع المؤسسات على اختلاف أشكالها، مع الشركات الضخمة العالمية التي باتت تحكم العالم بمتطلبات الربح الواجب والكبير الذي لا يعرف الحدود… مع كل هذا التحضّر، أوليست شريعة الغاب هي المسيطرة اليوم؟ فماذا قدّمت لنا الحضارة؟ وما هي الوسائل التي يمكن اعتمادها وتطبيقها للحدّ من كل هذا؟ إن لم يكن ذلك ممكنا بتمكين الثقافة وتوطيد علاقة الإنسان بذاته أكثر لكي يعرفها أكثر؟ فبِمَ عساه يكون؟.

المدينة مقابل الريف
من موضوع الفرق بين الحضارة والثقافة أنتقل مباشرة للتعليق وبسرعة هنا أيضاً عن الفرق بين حياة المدينة وحياة الريف. والمدينة تأتي مرادفاً تلقائياً للحضارة أما الريف فنراه ينقرض كما الثقافة (أشير هنا إلى أصل كلمة الحضارة في اللغة العربية وجذرها الموجود في كلمة الحضر أو الحاضرة -وهي خلاف البادية- وكانت تدل على المدن والقرى والريف .. طبعا مع اندثار البداوة يتضح لنا كيف انتقل المعنى في زمننا ليضع الحاضرة كلفظ يدل على المدينة وأصبح المقابل الفعلي لها هو الريف أو القرية. وفي المعنى الأصلي لا المجازي والاصطلاحي نجد أن أصل الكلمة يعود للفظ حاضر بمعنى موجود ومقيم بعكس البدوي الذي يغيب, وإن استطردنا في هذه المعاني نجد علاقة الحضور والإقامة الدائمة المحددة مع الطبيعة والمادة في مقابل علاقة الغياب والتنقل وعدم التواجد في مكان معلوم تماما ودائما مع الروح).
أكثر من يزعجني شخصياً هو الفكرة المعلبة عن حياة الريف الغبية، هكذا ينظر إليها ابن المدينة المتحضّر والذي يعتبر نفسه مثقفاً، ومن هنا أقولها بكل حزم ينبغي التوقف عن نعت هؤلاء المعلمين القابعين في جدران من الأسمنت اللذين يتجولون على أرصفة منمقة ويتنشقون الهواء الملوّث ويحوّشون (يكتسبون، يمتصون، يجمعون) بحواسهم الأضواء الإصطناعية وكل أشكال الضجة والضوضاء… أقول ينبغي التوقف عن نعتهم بالمثقفين, إنهم بكل بساطة متحضرون وفقط، فهؤلاء لم يعد بوسعهم التأمل بالسماء المنقوشة بالنجوم ولا الحقول ولا الجبال… أذكر كلما كنت أشاهد القمر بدراً في ضيعتي (التي هي الاخرى ذاهبة الى التحضّر) كنت أحب أن أدعو حبيبتي لمشاهدته ولكن المسكينة تعيش في بيروت وأنى لها مشاهدة القمر، أو موعد تهافت الشهب، أو التقاء الكواكب؟

أذكر هنا أيضا صديقي ابن المدينة الذي ولد وعاش فيها – وما زال-، أذكر كيف كان يحدثني عن رحلاته السريعة هو وأصدقائه في سيارتهم, حيث كانوا يغتنمون توفر ساعة أو ساعتين من الزمن حين يجتمعون في النهار ليصلوا إلى مكان يخرجهم من ذلك السجن الكبير بأسرع وقت (فهم مضطرون للعودة إلى المدينة بحكم ارتباط حياتهم بها) و يعيدهم إلى الطبيعة والشجر و السماء والمسافات الواسعة التي تستطيع العين رؤيتها على مد البصر, اذكر كيف كان يشبه رحلاتهم السريعة تلك بعلاج مؤقت للعين والأذن والرئتين .. و الروح. و في ذات الوقت أذكر أبناء قريتي, الذين كان حلمهم الأهم و ما يزال هو الانتقال إلى المدينة. وضمن هذه المقابلة في موقف كل من الطرفين أصل لذلك القلق الذي يعكس نفسه في حالة كل منهما, إنه من جديد تأكيد على جوهرنا الثنائي.

من العلم الى العمل: والفرق بين التدريب والتنشئة
ونتابع في الموضوع لنتناول هنا موضوع التعليم والعمل، ودائماً لتوضيح الفرق بين العالم الخارجي وتأثيره على سلوكيات وتصرّفات الإنسان وبين العالم الداخلي للإنسان و تأثيره، و سأضرب المثل بالجيوش وبالمدارس الدينية، ففي الجيش يمكن تعليم الفرد على استعمال السلاح وأن يكون قوياً وماهراً ولكنك لن تقدر أبداً أن تُعلّم الجندي كيف يصبح شجاعاً ومخلصاً ولهذا تجد دائماً الخونة والعملاء؛ وذات الشيء بالنسبة لمن يدرس الدين كتعاليم خارجية، يمكن تعليم الفرد بطبيعة الحال كيف يصلّي وكيف يصوم وكيف يقوم بواجباته الدينية لكنك لن تقدر أبداً أن تزرع في قلبه الإيمان ولا أن توصله لدرجة الخشوع في أدائه للفرائض؛ وأخيراً يمكنني أن أشير إلى النظام التعليمي المتحضّر حيث يتم تدريب طلاب العلم على معرفة استخدام المواد واتقان الحساب ليصبحوا بدورهم علماء. فعملية التدريب هي عملية حيوانية (طبيعية- مادية) الجوهر: حيث تفرض وتدّرب التلاميذ في المدارس على ارتداء زي موّحد ومن ثم ليصطفّوا بالدور الى صفوفهم تماماً كما تتعلّم الحيوانات (كالنمل والنحل والحمام) وقد يؤثر التدريب على سلوكيات البشر ولكن تأثيره هذا يبقى ضعيفاً لأنه يأتي بدافع الخوف من العقاب ليصبح مع الوقت من العادات، ولذلك عندما تسنح الفرصة أمام أي فرد ليخرق القانون ويبتعد عن صفّه تراه يفعلها… “أما التنشئة فمصدرها جوانّي وجوهرها تنشئة ذاتية وهدفها ليس التغيير المباشر والتلقائي بالتلقين، وإنما تعني بتحفيز قوى داخلية تحدث قراراً داخلياً صادقاً لا يتزعزع”6. (سنعود للحديث أكثر عن التنشئة والأخلاق في الحلقة المقبلة).

وقفة شخصية في نهاية الجزء الأول
سأعود إلى ذاتي قليلاً هنا لأتكلّم عن موضوع محرج بعض الشيء ولكنني سأضطر للحديث عنه، ففي البحث عمّا إذا كان الإنسان خيراً أو شريراً (جلسة إنسانية ـ1ـ)، وجدت أنه يحتمل الخير والشر، لا بل قد أذهب لأقول بأنه يميل إلى الشر أكثر، لكنني ومنذ الصغر أهدف لكي أكون خيّراً في هذه الدنيا، أن أعمل الخير وليس من داعِ لتعريف الخير هنا، لكني أقول بكل ثقة وتواضع أنني أستطيع أن أصف نفسي اليوم بالإنسان الخيّر، حتى عندما رحت أقنع نفسي بعدم وجود الإله، ونكران الدين أو كما كنت أنعت نفسي وقتها “بالملحد”. كنت في حيرة دائمة ووجدتني كلما فعلت الخير كلما طاردني الحق، ولم أجد مفّراً أبداً من الخالق. وهذه الراحة النفسية التي أتحدّث عنها دوماً والسعادة التي يُبحث عنها لم أجدها إلا في تأملاتي وغوصي بعيداً في الذات لأجد دليلي و طريقي لهذا الإله في هذه الروح وهي تتصاعد أنفاساً وتخرج من عيوني دموعا.

في الحقيقة ما اكتشفته أنني لم أك ملحداً يوماً الا شكلياً، او اسمياً، فتعلّقي بالفنون وتعليقي نصب أعيني لرسم مايكل انجلو في خلق آدم يشير الى تدّيني، واستماعي للموسيقى الكلاسيكية خاصة، واستمتاعي بقراءة الشعر، كل هذا يدفعني للقول بأنني كائن متدّين مهما فعلت، وكأنها هكذا بالفطرة هي الأمور، تحدث في باطن النفس مهما حاولت إخفاءها أو نكرانها ومن هنا اسأل من يعتبر نفسه ملحداً، كيف يفسّر اهتمامه بالفنون والآداب؟ ولماذا الحب أصلاً؟

سمعت مارسيل خليفة يقول يوماً (مع مارسيل غانم في كلام الناس) بأنه لم يكتب بعد الموسيقى التي يريدها، التي يحسّ بها ويشعر بلحنها في داخله، وسمعنا محمود دوريش في جدارية يقول بأنه “يوماً ما سيصير ما يريد”. فما هو هذا الحلم الذي يبحث عنه؟ الى أين نسعى؟ وكيف نتحقق، كيف يتحقق الحلم؟ هل فقط في هذه الدنيا أم في عالم آخر، بعيد كل البعد عن زيف المواد الفانية.

كنت قد تبنيّت الى حد كبير نظرية داروين والتطوّر الطبيعي للكائنات، حتى مؤخراً (رحلة عبر الزمن)، لكن لوحة مايكل أنجلو في “خلق آدم” ظلّت تلاحقني ودفعتني الى مزيد من البحث  نحو مزيد من الأسئلة التي لم أجد لها أجوبة في نظرية التطور: هل الإنسان جاء بفعل التطوّر الطبيعي بالرغم من الإختلافات الجوهرية بينه والحيوان (والتي حاولنا الإشارة الى بعضٍ منها في المقدمة أعلاه)؟ فكيف نفسّر إذن الأخلاقيات وجهد النفس البشرية للسمّو في القيم التي تتعارض مع الكفاح من أجل البقاء؟ لأن القيم والمبادئ تضّر بالكائن وتؤذيه، أو أنه يجب علينا أن نتوقع انقراض القيم الإنسانية السامية وألا نندهش بعد الآن ونتعجّب لفقدانها!.

في السؤال والجواب عن لماذا نعيش؟
كائن لا يمكن تفسيره بالوسائل العلمية فقط، إنسان في صراع بين المادة والروح، بين الخير والشر، ولهذا فهو متدّين بفطرته، فكلما أستسلم لمغريات الدينا كلما زادت معاناته وابتعد بالتالي عن إنسانيته ليقترب من الحيوان، فكفاحنا في هذه الحياة ليس فقط من أجل البقاء وإلا لما كان للحب من معنى، وإنما تحقيق ذاته وإنسانيته بفعل الخير والبحث، متابعة البحث انطلاقاً من الذات، والغوص في الأعماق عن حقيقتنا بكل تجرّد نحو السماء، مع كل هذا التراب والماء والهواء، عن ماهية العالم الآخر، يسعى كل واحد منا للوصول الى هذا الهدف (تحقيق الذات) ولكن تحقيقه يتعارض والوجود، إذ لا معنى للوجود إذا تحققت ووصلت، ولهذا سنظل نتخبط متى حيينا، تماماً كما يشير بيجوفيتش في كتابه:

إن كلاّ من الثورة والدين يولدان من مخاض الألم والمعاناة ويحتضران في الرخاء والرفاهية والترف. حياة الدين والثورة تدوم بدوام النضال والجهاد، حتى إذا تحققا،  يبدأ الموت يتسرب اليهما. ففي مرحلة التحقق في الواقع العملي ينتجان مؤسسات وأبينة، وهذه المؤسسات  نفسها التي تقضي عليهما في نهاية الأمر. فالمؤسسات الرسمية لا هي دينية ولا ثورية7.

ولماذا نعيش؟ لمن نعيش؟ ألهذه الدنيا فقط؟ أنا أشك! أوليس محزناً أن نصبح مجرّد أدوات تعمل في هذا الآلة الطبيعية المادية الجشعة، فمن حيث لا ندري ترانا قد سقطنا في أهدابها بالمغريات التي تقدّمها لنا. فليس أمامنا الكثير من الخيارات: إما أن نعيش لهذه الدنيا وإما أن نعيش للآخرة، للعالم الآخر. كل ما علينا فعله هو الإختيار ومدارة التوازن!

أليست معرفتنا لذاتنا تقدّم لنا الإجابات على كثير من الإشكاليات المتعلّقة بهذه الحياة التي لا يمكن تفسيرها بالوسائل العلمية فقط لأنها ظاهرة وغامضة (معجزة) في آن. حيث يظهر الصراع بين الخير والشر الذي يتجلّى في تصرفاتنا والسلوكيات، ومن الطبيعي أن أفهم المعاناة اليوم التي تأتي ترجمة لعدم قدرتنا على التحكم بالمواد، بدءاً من طرق تفكيرنا المادية التي اقالت الروح والإحساس، الى جدران الإسمنت التي نسجن أنفسنا داخلها، الى هذه الألة الطبيعة الضخمة التي سلّمنا أجسادنا لها لنفرغ، ونتلاشى في قوانين  الفيزياء والكيمياء ويذهب النور ومعه الروح من الأنحاء.

وسأحاول هنا أن أعيد بشكل ملخص كتابة السؤال الذي تتمحور حوله الحلقة الأولى: من نكون؟ لمن ولماذا نعيش؟ أوليست الفنون دليلاً كافياً على العالم الآخر، الروحي، الجواني، غير المادي؟ تماماً كما يتجلّى الدين، أوليس مصدر التدّين والفن هو نفسه هذه الروح الهائمة في أنحائنا، وما يحدث في أعماقنا ونحاول أن نعبّر عنه في هذا العالم المادي؟ فلماذا نقبل الفنون ونرفض الدين؟ أو أن هذا الرفض يحمل في طياته هروباً من الواجبات والقوانين والقواعد التي ينبغي علينا اتباعها والتقييد بها للإرتقاء؟  بلى قد يحّق للأفراد نقد الفنون والتعبير عن الآراء، وبلى قد يحق للعقلاء نقد الدين والتعرّض للممارسات الدينية، ولكن هل يصّح رفض الدين وأصله ووصف الدين والإله بالوهم؟ لأنه إذا صحّ ذلك، ينبغي في ذات الوقت رفض الفنون وعدم الإهتمام بها لا بل ووصفها بالخزعبلات هي الأخرى.

في الدعوة الى النقاش
وليكن هذا الموضوع، بهذا الجزء، وبباقي الأجزاء، كتاباً مفتوحاً للنقاش والحوار مع الأدمغة والقلوب معاً، مع الأصدقاء والمفكرين وكل من يحاول، لكل فرد دون استثناء. أستطيع أن أذكر محاولات يعمل فيها على تجريد الإنسان من روحه وإرادته وكل مشاعره بإسم العقلانية، أضرب مثلاً “بوابة المدوّنات الحرّة، العلمانية، اللادينية والإلحادية” (العقول الحرّة Free Minds) فما معنى الحرية في ظل وهم الإرادة الحرة التي تتحدّث عنها المادية وخلاصات العلوم كما جاء في كتاب التصميم العظيم لستيفن هوكينغ؟ وهل العقل وحده يشكّل الطريق الى الحرية؟ وأستطيع أن أضرب مثالاً آخر عن أعمال طوني صغبيني الذي أكاد أتفق وإياه على كل شيء ما عدا طريقته التي يقفز فيها بعيداً عن الهدف المنشود (طبعاً أقصد الإصلاح)، ففي دراساته الملفتة جداً من حيث الدقة والمنهجية يظهر خلل في الإسلوب المبالغ فيه لتوصيل الرسائل وتحليل الأمور، على سبيل المثال أعتبر مقالة تناول فيها كيف تتعرّض المؤسسات الدينية للفنون والموسيقى (حجاب الموناليزا (II): البيانو المحرّم) ويخلص في النهاية ليسأل: لماذا لا يحب الله البيانو؟ وهنا خلط بين المؤسسات الدينية وبين الإله، حتى لو أراد من سؤاله إتباع أسلوب الكوميديا السوداء وتبسيط المعنى.

في محاولة للتقديم للجزء الثاني من هذا الموضوع الذي سيتناول كيفية العيش سنتعرّض بشكل منطقي للقواعد والقوانين والأخلاقيات التي علينا اتباعها من أجل تحقيق الذات، لننظر في اشكاليات الوحدة والإجتماع، بدءاً من المرأة والرجل، مروراً بالفرد نحو المجتمع، وبطبيعة الحال سنسلّط الضوء على الأديان بكل تجلياتها، ولكل المقدّسات، وبمقارنات ومقاربات بين التوحيد ووحدة الوجود… حيث يتمحور الموضوع كله حول فكرة واحدة: كيف نعيش؟ ونسأل هاهنا: أوليس تمرّدنا على الأديان بشكل خاص، وعلى القوانين والأخلاقيات بشكل عام يأتي استجابة للمغريات وتلبية للرغبات وبالتالي ذوباناً في عالم المواد؟

ـــــــــــــــــــــــــ
كان الإعتماد الأكبر في هذه الحلقة على كتاب “الإسلام بين الشرق والغرب للمفكّر علي عزت بيجوفيتش”. المترجم: محمد يوسف عدس، مؤسسة بافاريا ـ الطبعة الأولى: مؤسسة العلم الحديث، بيروت ـ 1994م.
باقي الكتب والمصادر التي ذكرناها في التوطئة سنستعين بها في الحلقات المقبلة.
1ـ الإسلام بين الشرق والغرب، علي عزب بيجوفيتش. صفحة 52
2ـ ذات المصدر، ص 55
3ـ ذات المصدر، ص 248
4ـ ذات المصدر، ص 137
5ـ ذات المصدر، ص 94
6ـ ذات المصدر، ص 182
7ـ ذات المصدر، ص 115

الأوسمة: , , , , , , , , ,

18 تعليق to “بحث حول الدِين والدّيان ـ الجزء الأول: معرفة الإنسان 1/5”

  1. Kenan Alqurhaly Says:

    استمتعت بقراءة الموضزع بالرغم من طوله وربما كان من الأفضل تقسيمه الى عدة تدوينات.
    لا يوجد عندي تعارض مما هو معتمل لديك لذلك لا استطيع أن ابدي أي ملاحظة الا أن بحثك نابع من تناقض واضح في أعماقك أتمنى أن تصل الى الحقيقة التي تبغيها ولترتاح نفسك بما تتوصل اليه

    • حسين رمّال Says:

      تحياتي كنان وعذراً ع الإطالة بالسرد،
      أكيد في تناقض كان موجود متل ما ذكرت، وهيدا يل عم حاربو بفعل الكتابة والتفكير، كرمال هيك عم بكتب الأشيا بكل هالتفاصيل،
      الأجزاء القادمة رح حاول قسّمها أكيد تتكون أصغر وما بتتناول إلاّ موضوع واحد ومحدد
      شكراً الك صديقي
      دمت بأمان

  2. Mahmoud Omar Says:

    مصافحة أولى،

    أجزم قطعًا انني لم أتمعن، لم أقرأ بالتفصيل، بعد أيًّا من المواد المطروحة في المدونة، ولكنني – بما انه اليوم راس السنة – اجزم قطعًا بأنني سأقرأ، وبالتفصيل، وبأني سعيد جدًا لاكتشاف مدونتك، واكتشاف انك موجود، وعلى قيد الحياة.

    تحيّة، وعام مُفيد .

    • حسين رمّال Says:

      وأظن بأنه سيكون عاماً مفيداً… مع هذه البداية الطيبة، محمد
      انشالله سنة خير وأمل عليك وأهلك وأحبابك
      وبالمناسبة: أكثر ما لفتني في مدونتك هو لغتك العربية، فبما أنني لا أتقنها جيداً بالرغم من محاولاتي ستجدني أفضّل العامية عوضاً عن الفصحى
      وسيكون لي الشرف بمرورك هنا، طبعاً خلال العام وليس الآن (ابتسامة)
      دُمت بأمان

  3. القط Says:

    تحياتي حسين،

    الجزء الأول رائع، و أنا في إنتظار الجزء الثاني.
    أتفق معك في بعض الطروحات و لدي نقد حول بعضها الآخر. ربما سأقوم بكتابة رد حول بعض النقاط التي أشرت إليها (خاصة فيما يتعلق بالعلوم) في مقال في مدونتي، حيث المكان لا يتسع هنا في التعليقات.

    و لكن على السريع، إنطباعي عن هذا البحث أنك تخلط عدد من المفاهيم، أحيانًا غير مترابطة، من أجل إيصال فكرتك. تمزج العلم بالطروحات الدينية، و تخلطها مع بعض الأفكار الإجتماعية الحديثة (الريف و المدينة)… ثم مقارنتك بين الفنون و الأديان، و إن كان فيها نقاط هامة، و لكنك كمن يقارن التفاح بالبرتقال. كلاهما فواكهة، و لكن كلاهما مختلف أيضًا.
    إذا تسنى لي الوقت قريبًا، سأكتب مقال للإدلاء ببعض الآراء عن التساؤلات التي طرحتها.

    و لكن، من جديد، البحث ممتاز و في إنتظار المزيد 🙂
    عامًا سعيد.

    • حسين رمّال Says:

      بداية خليني صديقي عادل، اتمنالك سنة خير الك ولأهلك وكل أحبابك، بالصحة ودوام العافية وكل التوفيق والنجاح
      وشكراً لتعليقك، لأن يهمني وبيشرفني، ورح حاول اعتذر ع السرد الطويل بهيدا الجزء
      لأن شخصياً بحب وضّح كل شي بتلاقيني كثير بحكي تحتى امنع الإلتباسات، يعني الأشخاص يل بيعرفنوني بتكون سهلة الهن الأشيا، أما القرّاء الجدد فبعتقد بتكون اصعب شوي (لأن كائن شوي معقّد) بتكون لمست هالأشيا (ابتسامة)

      موافق انو كان في خلط لكثير من الأمور بهيدا الجزء، والتي في الأساس هي غير مرتبطة بشكل مباشر، ولكنني في الحقيقة أحببت توضيح المفاهيم التي كانت عالقة في ذهني واكتشفت الوضوح في كتاب علي عزّب بيجوفيتش ولهذا وجدتني اتحدّث عن الثقافة والحضارة (وكنت قد ذكرت بأنها أمور لفتتني في الكتاب) ومنها للمدينة والريف، للفن والعلوم، للتدريب والتنشئة…

      انطلقت في البحث لأوضّح التناقض الذي كنت عليه، ومنها لأشرح التغييرات… يعني أستطيع أن الخّص فحوى الجزء الأول كأنه فقط لتوضيح نظرتي للإنسان بأنه مختلف عن الحيوان وبأنه متدّين بفطرته وطبعاً للدلالة على وجود عالم آخر… ومنها للإله وفي ذات السياق كنت أعترض على مفهوم الإلحاد…

      في الحلقات المقبلة (الأجزاء) سوف أحاول التعرض للمواضيع بشكل مباشر ومن دون خلط المفاهيم التي سيكون أساسها قد ورد في الجزء الأول (الطويل)

      وبطبيعة الحال، سأكون منتظراً لمقالتك ولرأيك في كل هذا…
      صديقي،
      دمت بأمان، عام مثمر

  4. Adon Says:

    مراحب حسين،
    مهمّ الموضوع وواضح الجهد عليه ورح كون بانتظار الحلقة الثانية.
    رح ارجع كرّر رأي عادل انه برأيي فيه خلط بين بعض المسائل اللي مش مرتبطة ببعضها وببعض المطارح فيه قفز بالاستنتاجات من دون إفهام القارىء ليش هيك. مثلاً بنقدك لبوابة العقول الحرّة اللي هي بتجمع مجموعة متناقضة من الاتجاهات الفكرية، ما فهمت مين فيها أو كيف عم تدعي لتجريد الإنسان من كل المشاعر والأحاسيس باسم العقلانية طالما الموقع مش صاحب اتجاه فكري محدّد أبعد من نقد ونقض الأديان، فهل الدين هوي اللي بيحتكر المشاعر والإنسانية وكل شي خارجه مادي؟ ما بعتقد.

    كنت عم تقول بآخر التدوينة انه نحنا منتفق بكل شي ما عدا بالأسلوب، بس بعتقد صديقي بكل ما يتعلق بالدين والإله وجوهر الإنسان للأسف نحنا مختلفين اختلاف شاسع : D.
    مثلاً كل الثنائيات الموجودة ببحثك واللي صنعتها الأديان التوحيدية والعقلانية الحديثة من قبيل روح-مادة وريف-مدينة وفنون-علوم ثنائيات ما بتعنيني وما بقرأ العالم من خلالها.

    بالنسبة للنقد حول أسلوبي بالكتابة أكيد بتفهّم وبفهم النقد وبتقبّله، لكن بعتقد الاختلاف هو على مسألة أبعد بكتير من الأسلوب لأن بالنسبة إلي، عدم الإيمان بالله (بمفهومه الابراهيمي) هو موقف روحي أولاً، أخلاقي ثانياً، فكري وفلسفي ثالثاً، وعقلاني رابعاً. يعني المسألة مش ببساطة “الخلط بين المؤسسة الدينية والإله” متل ما ذكرت بنقدك، لأن ما بميّز بين المؤسسة الدينية والإله اللي اخترعته هالمؤسّسة، واللي هوّي مش بالضرورة يكون نفس البعد المقدّس اللي الإنسان بيشعر فيه بتجاربه الروحية. حتى بعتبر انه هالإله هو عقبة أمام أي تجربة روحية حقيقية. ما بدّي اقنع أي حدا بوجود أو بعدم وجود شيء ما لكن بنفس الوقت برأيي فيه وحش كبير وماكر اسمه أديان توحيدية لازم يتواجه.

    بعتذر على الإطالة، وبتمنى تلاقي القناعات اللي بترتحلها وبتطمأن إلها نفسياً. طالما هيي حقيقية بالنسبة الك فهالشي كافي ومش رح تكون بحاجة لرأي حدا للاطمئنان لصحتها.

    تحياتي

    • حسين رمّال Says:

      تحياتي طوني،
      وألف عافية وشكر ع المشاركة الغنية
      وبذات الوقت، رح حب اعتذر انو ضربت عمل من أعمالك كمثال من دون ما اسألك، لكن سمحت لحالي لأن بعرف انو بالنسبة الك ما في مشكلة
      يلعن رفّها الأشيا، يعني للحقيقة ما بحب طوّل بالحكي وبحب كثير اختصر (كرمال ما اتعب يل عم يقرأ)، ولكن بضل بشوف انو لازم احكي اكثر توصّل الأفكار، وخليني هالمرة وضّح بعد شوي الأشيا بخصوص هالموضوع
      يعني بالرد أولاً ع موضوع الخلط بالمفاهيم والمسائل، رح بتلاقيني جاوبت على عادل السبب يل دفعني اتعرّض للثنائيات يل حكيت عنها بهيدا الموضوع
      هلّق يمكن مبلى بالتفاصيل بطبيعة الحال تلاقي اختلاف بيناتنا، ولكن كنت عم بحكي انو متفقين ع الهدف ع القليلة ويل هو أهم شي بنظري (يعني بعتقد وهون مش عارف اذا رح بتكون بحاجة للتأكيد طوني، انو انت وأنا لما منعمل شي بيكون هدفنا السامي الإصلاح والتحسين من هالمشاكل يل عم تعيشها البشرية) وهون مبلى يمكن تلاقي كل واحد عم بيروح بطريق وباتجاه، منلتقي احياناً ومنختلف بأخرى.
      وبالنسبة للثنائيات يل طرحتها ويل عم تخبرني انها ما بتعنيلك وما بتقرأ العالم من خلالها، أكيد ما رح فيني أفرض شي على حدا، ولكن ما بيمنع انو في فرق بين هالمسائل وهالمفاهيم، وما بيمنع انو الهم دور مهم وتأثير ع الوجود، لا بل ما بعرف كيف فينا ننكر وجود تأثير لثنائية الثقافة ـ والحضارة مثلاً؟ وإذا كنت تعرّضت الهم، كرمال رح استعين فيهم بعدان…
      وهلّق رح انتقل ولو مبكراً وقبل تناول الجزء الثاني من الموضوع، مش لأن بس ما بدّها كثير تتبيّن أنو رايح بهيدا الإتجاه، ولكن لأنك طرحت الموضوع بتعليقك هون: انو عم تقلّي يا صديقي انو هيدا الإله يل أنا مؤمن فيه (يل هو واحد) اخترعته المؤسسات الدينية مع انو ما نطرتني تخبّرك انو مش مظبوط هالحكي وما بيحقلّك تقول هيك لأن مش المؤسسة يل اخترعتو، انا يل بحّس فيه أولاً، أنا يل عم حسّ فيه إلا اذا بدّك تقلّي انو ما بعرف حسّ او بشو عم حسّ (لوووول). شفت وين بتلاقيني عم حب اشتغل؟ ع هيدي الخبريات والأفكار المعلّبة يل هيك: انو يابا هيدا الروح وهم، وهيدي الدين كارثة، وهيدا الله مات، وهيدا الإسلام جرثومة، وهيدا الإنسان حيوان، وهيدا المادية كل شي…
      وخليني طوّل بعد شوي توّضح كم مسألة مهمة:
      1ـ أكيد موافق انو أي شي روحي مش رح يكون سليم أبداً محاولة اقناع الآخر به
      2ـ ما بيعني انو عم شارك حالتي الشخصية بكل التفاصيل انو عم كون ناطر رأي الآخر بحالتي الشخصية، فيها تكون ع شكل رواية، رواية حقيقة واقعية، وجزء منها فكري وهون مطرح النقاش فقط الأفكار وكل شي بيتمحور حولها
      3ـ يعني متل ما ذكرت طوني انو عدم ايمانك بالله (بالمفهوم الإبراهيمي) هو موقف روحي، وأخلاقي، وفكري وفلسفي: بقى أكيد ما رح نحكي ونتعرّض للروح، أنا فيني احكي كيف بحسّ وبشعر بالأشيا، وانت واي حدا تاني، مش مشكل هون ابداً ،ولكن الأمور المتبقية (أخلاق وفكر) هون الشغل والحوار والنقاش.
      4ـ وأخيراً، مهما كان ظاهر بهيدا الشغل البعد الشخصي يل ما بعتقد رح بيضّر المنهجية، بس أنا أيضاً مش بس عم قوم بالسرد ومجّرد الإعلان عن أفكاري ومعتقداتي، عم يكون هيدا الموضوع للنقاش وبتكون شفت قديش طرحت أسئلة… وبالأجزاء القادمة رح حاول كون مباشر أكثر واتعرّض للإشكاليات بشكل مستقل كل اشكالية على حدة (ربما رح اتعرّض اولاً لثنائية: التوحيد ـ وحدة الوجود) بتقلّك شي أكيد (لوول)
      عم بتقول انو الأديان التوحيدية وحش كبير ولازم يتواجه، ولكن بذات الوقت عم تكون عم تتعرّض لروحانيات الأشخاص المؤمنة بالتوحيد، وهيدا ما بيحقلّك حتى لو كنت مؤمن بأشيا تانية أو مش مؤمن على الأقل بالتوحيد، وحتى لو كنت ما بتنظر للعالم بالطريقة يل بينظرو الها غيرك…
      هلّق مش رح فوت بكل النقاط، لأنك انت يل فوتتني هون، مع اني بعد ما حكيت عنها، هون كنت عم بحكي عن الإنسان بعدني بعدني ومش عن الأديان… وبالنسبة لموضوع بوابة العقول الحرة بعرف انو هي عبارة عن محاولة جمع للمدونين والأفكار المتناقضة على المدونات والتي تتمحور حول الشكوك بوجودية الله وصحة الأديان وما شكل… ولكنك تعلم وبالرغم من التناقضات والأفكار المختلفة أن هذه البوابة بحد ذاتها محاولة تنادي للعقلانية واذا نظرت ببساطة تعرف انها تعمل تماماً كما المؤسسات الدينية أي انها تستهدف شيئاً ما تعرفه جيداً (محاربة الإسلام والأديان) كما ذهبت المؤسسات الدينية لتحارب بعضها البعض ولا زالت، أي انها تحاول ان تجمع الأعداد بالرغم أنه لا يمكن جمعها هكذا ولا حتى باسم العقلانية، أن تجمع البشر حين تصفهم فقط بالعقول الحرّة وكأن العقل وحده يكفي لتوحيد البشر… على كل حال… بدأت تتشعب المواضيع كثيراً هنا
      ولكنني بلى سأحاول توضيح نظرتي لكل المحاولات التي تهدف محاربة الدين ككتلة واحدة، وتجمع الروحي بالعقلي والأخلاقي والفكري، ثم تقول لك أنها تنادي العقول!
      لا بل سأستفسر وأسأل عن النتائج والنجاحات التي حققتها وتحققها تلك المحاولات من أجل الإنسان؟ في كل العالم
      بعدني بأول خطوة
      يعني كخلاصة هلّق،
      بعتذر ع الإطالة بدوري، وبتمنالك ذات الأشيا الطيبة ، طوني
      بأمان الدنيا

      • Adon Says:

        سعيدة،
        شكراً على الردّ المطوّل حسين.
        رح اترك تعليق بسيط على توضيحك اللي معلّم باللون الغامق. بتعليقي السابق كنت كتير دقيق بالكلام ولمن حكيت عن الإله قلت “بمفهومه الابراهيمي”، يعني إذا بتحسّ بإله ما بيفوت بمعمعة الكتب المقدّسة والأنبياء الحاملين سيوف فهيدا بيكون إله آخر خارج نطاق نقدي وتعليقي، أما اذا الإله الخاص فيك هو إله بيحكم بالنار على الناس بسبب قناعاتهم الدينية وكل أديانه قائمة على كره العقل والنفس والجسد والحرية فتعليقي بينطبق عليه تماماً لأن هالإله تحديداً هو اختراع المؤسسة الدينية.

        وبالنسبة لرأيي انه الأديان التوحيدية هي وحش وتعليقك انه هالنظرة بشكل عام بتقود للتعرّض لروحانيات الأشخاص المؤمنين بالتوحيد، جوابي انه يا صديقي “التوحيد” هوّي اللي بدأ الهجوم مش الناس اللي متلي، الأديان التوحيدية هيي اللي بدها تتدخّل بحياة الناس وتصنّفها وتاخد حريّتها وتعطّل عقولها وتدمّر علاقتها مع الآخرين، وبالتالي اللي عم بعمله واللي بيعمله غيري من الزملاء هو دفاع عن النفس مش تعدّي على الآخر.

        أما الجزء الأخير من تعليقي السابق فمش المقصود فيه إبداء الرأي بحالة شخصية ومفش ضرورة كان ينردّ عليه بهالطريقة وبعتذر بصدق اذا اعتبرته تخطّى الحدود، رغم انه نشر بحث فيه العديد من النقاط الشخصية هو دعوة لإبداء الرأي بهالشي بطريقة أو بأخرى.

        تحياتي وكل سنة وانت بخير للمرة الثانية 😀

  5. حسين رمّال Says:

    صباح الخير طوني
    وواحد متلك كل سنة وانت بخير :d
    انت مصرّ تستبق الأمور، خليني بالأول احكي عن الإله وبعدان احكم، ومصّر تضلّك تشمل الدين كتلة واحدة مع انو بعد ما حكيت عن الدين يل رح بحكي عنو بالحلقة الجايي وبانو في فرق كبير بين المؤسسة الدينية وبين التدّين… جاييك بالحديث… انطرني شوي.

    وللصراحة مبلى اتضايقت شوي من تعليقك الأخير بمداخلتك الأولى، ومش عم قول بدّها القصة اعتذار طوني، الخبرية مش أبداً لما بحكي شخصي معنى الحكي انو صار ممكن يكون الحكي شخصي ولأن ولا مرة كنت قلت اني ناطر رأي بشخصي، وانما اخضاع الأفكار والنتائج للنقد والتشكيك مش الشخص… وبتعرف لما بيغيب المنطق وبتغيب الأفكار وبيغيب العقل ساعتها بنتناول الكائن ككل، بس خلينا بالأول نحكي فكر
    وإذا حكيت عن حالتي الشخصية، كنت وضّحت انها طبيعية بهيك موضوع، وربما بكل المواضيع، لأن منبع الفكر هو الشخص، وشخصياً بشوف الحكي بصدق وبشفافية وبالتفاصيل بيفيد اكثر، بل بكل تواضع بقول معناه جرأة اكثر…
    كرمال هيك رجعت حاولت وضّح النقاط لأني للأسف كنت وضّحت وأطلت الشرح بالمقدمة، ورجعنا وقعنا بذات المشكل، مع انو مش كثير هالقد بتفرق عندي الآراء الشخصية بشخصي، ما أنا أصلاً عم قولها وبقولها، وانما لما بتصير القصة مش مفهومة او عم تبيّن انها شاي تاتي بيصير لازم وضّحها… رح اكتب شي نظيف عن هيدي النقطة…

    نهار طيّب
    وكل سنة وانت بخير للمرة التالتة :d

  6. ahmad Says:

    موضوع المدونةحلو كتير لكن يلي أثارني ويمكن حاليا كون الموضوع مطروح أنو كبداية أو كتدوينة أولى هو كونها لحد اللحظة ما اتطرقت للموضوع المعنون ألا وهو الدين والأديان بأسلوب البحث العلمي المتبع والظاهر من طريقة منهج البحث العلمية البحتة بالمقدمة والتفاصيل التالية، يمكن يتحقق هالشي بالمدونات التالية ولذلك نحن بانتظارها. هي أولا
    أما النقطة التانية بالموضوع فهي التداخل الكبير بين الموضوع المطروح والتجربة الفردية لك أخ حسين، وبغض النظر عن عمق التجربة الشخصية وأهميتها لكنها ما بتكفي برأيي لتعميم استنتاجاتها، بتمنى لك التوفيق بباقي التدوينات بهالمجال يلي انا عم انتظرها لمزيد من التوسع بالموضوع.
    مع تحياتي
    أحمد

    • حسين رمّال Says:

      تحياتي أحمد وشكراً ع متابعتك الموضوع
      صحيح معك حق بعد ما حكينا شي عن الدين بحد ذاتو لحد هلّق وصحيح في تداخل كبير لا بل الموضوع كلّو رح بيكون مبيني ع حالتي الشخصية لان منها رح بنطلق عطول وطبعاً ممكن ما تكون كافية للتعميم،
      بس كل هالشي تحتى قول وكنت لمحّت لهيدا الشي، انو اتباع المنهجية العلمية بهيك موضوع اصلاً مش ممكنة كثير لأن، وحتى عرض النتائج للفحص رح بيكون صح بشكل علمي بحت وهيدي أكبر إشكالية لمن بنحكي إنسان ودين ودّيان… لأن بالنهاية مش رح كون بشخصي مكنة متل شي كمبيوتر او شي روبوت ولكن شغلات كثير معقدّة
      بالمواضيع يل رح تتبع ويل رح عرّف فيها الدين ويل بنظري بدايتو هي حسّ فردي شخضي، بقى طبيعي انو اتناول حالتي تحتي احكي وطبيعي ما تكون كثير علمية الشغلة، وكرمال هيك بفتكر ضرورية التفاصيل لشرح كل شي… ورح حاول قدر الإمكان اتبع منهجية ع القليلة واضحة ودقيقة ومتل ما شفت بأول جزء كان أغلبو أسئلة مش أجوبة، وكانت دعوة لمعرفة الذات البشرية أولاً ومنها بننطلق لباقي الأشيا
      الخلاصة الكبيرة بهيدا الجزء كانت أنو أنا إنسان مش حيوان ولا آلة
      رح حاول بالأجزاء المقبلة خليها تكون خفيفة، بمعنى موضوع موضوع كل مرّة: يعني مفهوم الدين بحد ذاتو رح بتكون بموضوع، مفهوم الخالق موضوع…

      تحياتي مرة تانية
      بأمان الدنيا

  7. بحث حول الدِين والدّيان ـ الجزء الثاني: معرفة الخالق 2/5 « مَعْمَلْ للتعبير والذكرى : شغلات وأفكار وأشيا… وهيك Says:

    […] الجزء الأول من هذا الموضوع وضحّنا موقفنا من أصل الإنسان ومكانته في هذه الدنيا: […]

  8. بحث حول الدِين والدّيان ـ الجزء الثاني: كيف نعيش ـ علاقة الجنسين 3/5 « مَعْمَلْ للتعبير والذكرى : شغلات وأفكار وأشيا… وهيك Says:

    […] محاولتنا توضيح الفروقات بين الإنسان والحيوان والآلة (في الجزء الأول) وبين المرأة والرجل (هنا) ليست للتمييز ولا للعنصرية […]

  9. أبو حجر من مزاج Says:

    حسين ما لحقت اقرأ كلشي بس شي عظيم جداً كمؤشر بدائي …..
    ليش ما عم تنزلهن بي دي اف؟

  10. احلى رسم Says:

    Very shortly this web site will be famous among all blog users, due to it’s nice articles or reviews

  11. الإنسان و الحيوان… آلات من لحم و دمّ | د عادل نورالدين Says:

    […] حسين عدة تساؤلات و أفكار في بحثه حول الدين و الدّيان (الجزء الأول: معرفة الإنسان). نحن هنا سنحاول أن نعطي وجهة نظر مغايرة للتي طرحها […]

اترك رداً على حسين رمّال إلغاء الرد